نطقت المحكمة العسكرية بالحكم، فأدانت العميد المتقاعد فايز كرم بجرم الاتصال بالعدو الإسرائيلي. عوقب المتهم بالسجن سنتين بعد خفض العقوبة، لكن الحكم أثار استياء أطراف عديدة: طالب المدافعون عن المدان بالبراءة، فيما رأى أخصامهم أن «الحكم خفيف» ويشجّع الناس على التعامل
رضوان مرتضى
«محكمة». دوّى صوت جندي في أرجاء المحكمة العسكرية إيذاناً ببدء جلسة محاكمة العميد المتقاعد فايز كرم صباح السبت، المتهم بالاتصال بالعدو الإسرائيلي. قدّم أربعة عسكريين السلاح تحية لأعضاء هيئة المحكمة الذين توزعوا على جانبي الرئيس لتبدأ الجلسة. استُدعي المتهم للمثول أمام هيئة المحكمة ونودي على الشاهد الأول، ليليه ستة آخرون. استُمع إلى شهادتهم في جلسة حُددت للحكم وامتدت مجرياتها على مدى 11 ساعة، تخللها أخذٌ وردّ، وأعقبها صدور حكم قضى بإدانة المتهم وتجريمه بالاتصال مع استخبارات العدو الإسرائيلي.
فبعد 13 شهراً على توقيف العميد المتقاعد، حكمت المحكمة العسكرية الدائمة، برئاسة العميد الركن نزار خليل، بالإجماع، بحبسه سنتين بعد إدانته بجرم الاتصال بالعدو الإسرائيلي. كما قضى الحكم بتجريده من حقوقه المدنية. وبذلك يكون أمام المحكوم أحد عشر شهراً يقضيها خلف قضبان السجن عن ذنبه، إذا لم يُسفر تمييز الحكم أمام محكمة التمييز العسكرية عن أي جديد.
ورغم أن صدور الحكم بحق القيادي في التيار الوطني الحر يعني تأكيد إدانته بجرم الاتصال بالإسرائيلي، إلا أنه لاقى اعتراضاً بين مطالبٍ ببراءة المتهم ورافضٍ للتهاون مع عميل. استند الفريق الأول في حملته التي شنّها على المحكمة إلى اعتبار أن «الملف فارغ»، في ظل «التعذيب الذي تعرض له العميد كرم لدى فرع المعلومات للاعتراف». في المقابل، رأى المطالبون بتشديد الحكم أن المادة 278 من قانون العقوبات التي أُدين بها كرم، تنص على عقوبة السجن من ثلاث سنوات إلى 15 سنة، مشككين في الاعتبارات التي أدت إلى اختيار الحكم الأخف.
بين أخذ ورد، ووسط الضجيج السياسي المثار، يرى متابعون للملف أن الكلمة الفصل في تحديد مدة الحكم منحها القانون لهيئة المحكمة التي تملك سلطة استنسابية في تحديد العقوبة. أما ما يُثار بشأن التشكيك في عدالة الحكم، فيرى هؤلاء أن الإدانة تبنى لدى ثبوت الفعل المادي وتوافر النية الجرمية اللذين ثبتا لدى هيئة المحكمة. فالفعل المادي تمثل بثبوت حصول التواصل مع استخبارات العدو الإسرائيلي استناداً إلى التحاليل الفنية للخطوط الدولية المستعملة من قبله. أما في ما يتعلق بالنية الجرمية، فقد ثبت توافرها من خلال اعترافاته. فلدى سؤاله عن سبب طلب الاستخبارات الإسرائيلية لقاءه في باريس، ردّ بأنه «تجنيدي للعمل لمصلحتهم». يضاف إلى ما سبق، اقتناع هيئة المحكمة بأن الاعتراف الذي أدلى به كرم كان بملء إرادته من دون ضربٍ أو إكراهٍ أو ترهيب. فالمتهم ينكر إفادته الأولية، مركزاً أنها جاءت تحت تأثير الضرب والإكراه المادي والمعنوي الذي تعرض له من قبل المحققين في فرع المعلومات، لكنه لم يقدم أي دليل أو إثبات أو قرينة تعزز هذه الادعاءات. ويؤكد ذلك تأييده الإفادة الأولية في التحقيق الاستنطاقي بالقول إنه أعطاها من دون ضغط أو إكراه مع تحفظه على بعض العبارات اللفظية كـ«عميل ومشغلي»، فضلاً عن أن الأطباء الذين عاينوا المتهم خلال فترة توقيفه أكدوا أنهم لم يلاحظوا أي آثار ضرب عليه.
قرينة إضافية أخذت بها المحكمة لإدانته، فالمتهم لم ينكر التواصل مع الأرقام الأمنية المشبوهة، لكنه ادعى أنه تواصل بالخطين الألماني والنمسوي مع شخص يدعى جو حداد لحل مسألة ضريبية تتعلق بأعماله في فرنسا. أما الرقم البلجيكي فزعم أنه تواصل به مع ضابط سوري متقاعد يدعى عدنان بلول. وبما أن وكلاء المدعى عليه لم يقدموا أي معطيات عن كامل هوية جو حداد أو مكان إقامته ليصار إلى استدعائه، تعزز قناعة المحكمة بأن حداد، وعلى فرض صحة وجوده، لا علاقة له بالخطين الخلويين المذكورين.
نقطة أخرى تضاف إلى قرائن إدانة كرم تتمثل بإقراره في الرسائل الموجهة منه إلى أفراد عائلته بالتهمة المسندة إليه. أما ادعاءاته بأنها تمت تحت تأثير الضغط، فقد رفضتها المحكمة، مستندة إلى الإفادات المتناقضة حول الرسائل المكتوبة بخط يده. فتارة ذكر أن المحققين أملوا عليه ما كتبه في الرسائل، وتارة أخرى ذكر أنه كتبها بطلب من المحققين ولم يملوها عليه كاملة ومضمونها من تفكيره ما عدا قبضه المال. وقد برزت مداخلة تقدم بها وكيل النيابة العامة القاضي فادي عقيقي الذي استغرب أن يكون المحققون قد أملوا على المتهم أحاسيس وأشواقاً ضمّنها رسائله.
استناداً إلى ما سبق، كوّنت هيئة المحكمة العسكرية اقتناعاً بأن قيام المتهم فايز كرم بالاتصال بضابط من الموساد الإسرائيلي، وهو على بينة من أمره بهدف تجنيده للعمل لمصلحته عبر تزويده بمعلومات سياسية وقبضه مبالغ مالية بلغت 14 ألف يورو، يجعل عناصر المادة 278 من قانون العقوبات متوافرة بحقه ويقتضى تجريمه بها وردّ ادعاءات الدفاع بعدم توافر عناصر هذه المادة المادية والمعنوية.
هذا في ما يتعلق بعناصر الإدانة. أما بالنسبة إلى استنكار مدة الحكم الخفيفة، فقد ردت عليه مصادر المحكمة العسكرية بالقول إن «توقف كرم وانقطاعه عن التواصل مع الإسرائيليين منذ عام 2009 أي قبل توقيفه، أضاف نقطة لمصلحته ساهمت في أن تكون العقوبة مخففة. كما أن طبيعة المعلومات التي قدمها كرم لا ترقى إلى كونها معلومات حساسة، فهي معروفة لدى أي متابع للشأن السياسي. فالتورط يكون على درجات، إذ إن حكم المحكمة العسكرية بحق من يتصل بالإسرائيليين، من أجل الجائزة الممنوحة لمن يدلي بمعلومات عن الطيار الإسرائيلي رون أراد، لا تتجاوز السنة. أما المعطيات المتوافرة في الملف القائم اليوم، فلا تحتمل أن يُحكم المتهم أكثر من ذلك، علماً بأن الحكم قد صدر بالسجن لمدة ثلاث سنوات، لكنه خُفض إلى سنتين لضرورات صحية.
الجلسة التي كادت أن تُحول يوم السبت إلى «يوم فايز كرم» شهدت عدداً من الأحداث اللافتة. فقد برز استياء المحامي رشاد سلامة لدى مرافعة زميلته في الدفاع عن كرم المحامية سندريلا مرهج، رافعاً صوته: «أبداً ما اتفقنا هيك». كذلك كان لافتاً رفض رئيس المحكمة تحويل الجلسة إلى سرية، بحسب طلب رئيس المكتب التقني في فرع المعلومات، معتبراً أنه لا ضرورة لذلك. كما أن ما أدلى به الضابط المذكور لجهة تلف تسجيلات الصوت والصورة لجلسات التحقيق بشكل تلقائي كل 15 يوماً أثار استغراب الكثيرين. كذلك برزت مرافعة النيابة العامة التي أداها فادي عقيقي، فتوجه بالكلام إلى المتهم قائلاً: لم أتوقع يوماً أن أراك خلف هذه القضبان»، وذكّر «بالسيرة المشرقة للضابط في الجيش اللبناني ورفيق درب أحد رجالات لبنان الوطنيين»، ليختم مرافعته مطالباً بتجريمه لـ«حماية مجتمع لبنان منه ومن أمثاله».
وقد أعقب صدور الحكم تجمع عشرات أنصار التيار الوطني الحر أمام المحكمة العسكرية بحضور عدد من السياسيين الذين أطلقوا مواقف مستنكرة للحكم. يذكر أن المحكمة قضت غيابياً في الحكم نفسه بحبس المتهم الفار إلياس كرم عشر سنين بعد خفضها من 15 سنة وأدانته بالتدخل في الجرم الذي أدين به العميد كرم.