البحث عن وطن!
كتبهاد: الزعيم ، في 9 أغسطس 2009
الساعة: 19:53 م
فى
طفولتى بمدينة المحلة الكبرى، تعلمت فى مدرسة الوعى القومى الابتدائية
الحكومية العزف على البيانو والتمثيل، وفى قصر ثقافتها شاركت فى العديد من
الفاعليات الثقافية والفنية، وبعدها بسنوات قليلة التحقت بمدرسة كرة القدم
بنادى غزل المحلة، وفى الإجازة الصيفية كنا نمارس العديد من الأنشطة
المتنوعة فى مركز شباب قريتنا ببشبيش.
هكذا كانت الحياة تقريباً فى كل ربوع
مصرفى سبعينيات القرن الماضى، مدارس تدب فيها الحياة، وقصور ثقافة حافلة
بالأنشطة، ومراكز شباب تفتح الأفاق المغلقة أمام الجميع دون استثناء،
وثقافة جماهيرية تطير إلى كل القرى وتنصب شاشات فى الشوارع تعرض عليها
الأفلام وتنقل كل الأخبار على جريدة
مصر الناطقة.
فى السبعينيات، كان المواطن ابن
الوطن الذى يحتضنه وينمى مهاراته المختلفة، ويبعده
عن كل العادات السيئة من إدمان وانحراف وتطرف، فارتبطنا ب
الوطن الذى كان ينمو داخلنا كل يوم، ويربطنا به أكثر من اليوم السابق.
لكن الدنيا تغيرت كثيراً، فإذا لم تلحق ابنك بمدرسة خاصة، فهذا ي
عنى
أنه لن يمارس أى نشاط فنى أو ثقافى أو رياضى طوال سنواته الدراسية
الطويلة، وليس أمامه سوى الحفظ والتلقين والحشو، أما قصور الثقافة فأصبحت
مثل الحاضر الغائب ترصد لها ميزانيات ضخمة سنوياً دون أن يكون لها نشاط
مؤثر، بينما مراكز الشباب تكاد تكون خالية على عروشها، ثم نتساءل لماذا
يفقد الشباب إنتماءهم للوطن؟!
الوطن يعيش فينا كما نعيش فيه، وهو مجموعة من الخدمات والحقوق العامة نتمتع بها منذ الصغر، فندفع مقابلها
عند الكبر، لكن المشكلة أن أجيالاً متتالية حرمت من وجود
الوطن بداخلها، وحينما وصلوا إلى مرحلة الشباب نسألهم أين حق
الوطن عليكم؟!
ال
مصريون فى أزمة، فمنذ سنوات لم يعد
الوطن يمثل لهم أكثر من أرض يعيشون عليها، وأهل يكبرون معهم، لكن
الوطنالذى يحتضن أبناءه منذ نعومة أظفارهم لم يعد يهتم بهم، ولم يشملهم بالعدل
المفترض توافره، لذلك ليس غربياً أن يقول طالب جامعى لرئيس الوزراء إن
الشباب يقل انتماؤهم للوطن كل يوم، ليس بسبب الفساد المنتشر فى كل مكان
فقط، وإنما لأننا لم نحتوى هذا الشباب أبداً، ولم نشعره فى أى يوم من
الأيام بأنه شريك فى هذا
الوطن وصاحب قرار فى قضاياه.
مصرتعيش أزمة غير مسبوقة، فلم يحدث فى يوم من الأيام أن كانت قضية الانتماء
مطروحة للمناقشة، ولم يكن حلم الهجرة والموت غرقاً فى مياه البحر المتوسط
على جدول أعمال ال
مصريين، ولم نسمع من قبل
عنأبٍ يبيع قيراط الأرض الوحيد الذى يمتلكه حتى يهرب ابنه من البلد حتى ولو
كان فى رحلة ذهاب بلا عودة، وحتى لو كانت محفوفة بالمخاطر ونسب النجاة
منها ضئيلة جداً.
قبل عامين كتب الشاعر الكبير فاروق جويدة قصيدته الرائعة "بلاد لم تعد كبلادى"، وأثارت ضجة واسعة، وتحدث
عنها الجميع وحركت المياه الراكدة، لكنها أيام قليلة فقط، وعادت
مصر إلى عادتها القديمة، فماذا ننتظر؟، وهل مطلوب منا جميعاً ال
بحث عن وطن بعد أن ضاع منا
الوطن؟!
أضف الى مفضلتك