تتالت انسحابات الأحزاب السياسية من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة -إحدى الأطر التي تساعد على الانتقال الديمقراطي في تونس- مما جعل البعض يدقّ ناقوس الخطر من آثار تقويض الوفاق الوطني على المسار السياسي للبلاد.
وقد كان آخر المنسحبين من الهيئة، التي تضمّ 150 عضوا غير منتخب، ممثلون عن حركة النهضة الإسلامية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب الإصلاح والتنمية، فيما علّق أعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي عضويتهم فيها.
ويأتي توسع رقعة الخلافات بين الفرقاء السياسيين داخل هذه الهيئة وخارجها في ظلّ استمرار هشاشة الوضع الأمني، الذي عادّة يلف البلاد مع قرب الانتخابات، التي تمّ تأجيلها من 24 يوليو/تموز الحالي إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
هيمنة
وعن سبب انسحاب حركة النهضة، يقول عضو المكتب التنفيذي بالحركة نور الدين البحيري للجزيرة نت "هناك تيار يساري خرق قاعدة الوفاق وأصبح يهيمن على الهيئة"، قائلا "لن نعود للهيئة إلا على أساس قاعدة الوفاق".
وبسؤاله عن مكونات التيار اليساري "المهيمن" أشار إلى حركة التجديد (الحزب التونسي الشيوعي سابقا) وجمعية النساء الديمقراطيات قائلا "إنهم يسيطرون على الهيئة باستغلال غلبتهم العددية عند التصويت ولا يلتزمون بالوفاق".
ويوافقه سمير بن عمر عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي اعتبر أنّ "هذه الأطراف لا تبحث عن وفاق داخل الهيئة وتستنجد بالتصويت لتمرير قراراتها بسبب كثرتها".
ويقول "لا يوجد إجماع داخل الهيئة لانعدام التوازن فيها ووجود أغلبية لدى هذه الأطراف اليسارية التي تسعى لتطبيق أجندتها"، مشيرا إلى أنّ الانقسامات في الساحة السياسية "تهدد" مصلحة البلاد.
ومنذ إحداثها فشلت الهيئة في اعتماد مبدأ الوفاق في أغلب مصادقاتها على مشاريع القوانين وكان التصويت سيد الموقف بسبب كثرة الخلافات والانقسامات داخلها، رغم أنها تضمّ اثني عشر حزبا فقط من بين مائة حزب قانوني، وهي إحدى نقاط ضعف الهيئة.
تعثر
ورغم أنّ الهيئة نجحت في سن قانون الانتخابات وانتخبت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي ستشرف على انتخابات التأسيسي، فإنها تعثرت في المصادقة على مشروع قانون الأحزاب بسبب الجدل القائم بشأن مصادر تمويل الأحزاب.
وأدى هذا الجدل إلى إعلان الحزب الديمقراطي التقدمي عن تعليق عضويته في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بسبب اعتراض بعض الأحزاب على مقترح حاول "التقدمي" إدراجه في مشروع قانون الأحزاب.
ويتمثل المقترح بإمكانية تمويل الأحزاب السياسية من قبل الشركات العمومية والخاصّة، حتى يتسنى للأحزاب تمويل نشاطاتها في ظلّ غياب التمويل العمومي بعد الثورة.
غير أنّ بعض المستقلين والأحزاب اليسارية رفضوا هذا المقترح، بسبب مخاوفهم من تبييض الأموال والفساد المالي.
ويقول عصام الشابي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي "هناك أطراف تسعى لتقويض الوفاق وترفض البحث عن تسوية"، موجها أصابع الاتهام إلى الحزب الاشتراكي اليساري وبعض المستقلين "الذين لديهم خلفية يسارية ودخلوا الهيئة تحت غطاء منظمات وجمعيات".
عصام الشابي (الجزيرة نت)
ويضيف "التوافق يقتضي أن يتنازل كل طرف ويبحث عن منتصف الطريق مع الآخر. لقد قبلنا بالتعديلات المدرجة على مقترحنا بشأن تمويل الأحزاب وذلك للوصول إلى حلّ، لكن الطرف المقابل يرفض مقترحنا جملة وتفصيلا".
يذكر أن قانون الأحزاب ما زال معلقا دون مصادقة، رغم تشكيل لجنة مصغرة داخل الهيئة لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب.
وقد أجرى رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة عياض بن عاشور اتصالات في الآونة الأخيرة مع حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي لإعادتهم إلى صلب الهيئة، لكن دون جدوى.
ومن المرتقب أن يترأس بن عاشور ندوة وطنية، يوم الجمعة المقبل، ستشارك فيها الأحزاب السياسية لمحاولة تجاوز الانقسامات وتعزيز الوفاق الوطني بما يضمن إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي.